من علوم الحياة
ماذا تعرف عن نبات الكمأة؟
م. خلود يوسف المرزوق
الكمأة نبات فطري يتبع الفطريات الأسكية من عائلة ( Taberaceae ) ومن جنس الـ ( Tabera ) ويوجد منه أنواعاً عديدة بحسب لون سطحها الخارجي والكمأة تنتشر في مناطق كثيرة من العالم فتوجد في غربي أوروبا وبخاصة فرنسا حيث ينتشر النوع الاسود منه في حراج البلوط والسنديان بين جذور أشجارها كما توجد في أطراف البادية من سوريا حيث ينتشر النوعان هناك الأبيض والرمادي الاسمر كما يتواجد في شمال أفريقيا والصحراء العربية بالقرب من الواحات الخارجة والداخلة وفي ايطاليا وفي الشمال الغربي من أميركا.
شكل الكمأة
والكمأة نبات فطري ليس له ساق ولا جذور يشبه درنات البطاطس وتستقز تحت سطح التربة في مجموعات على عمق يتراوح بين عدداً من السنتيمترات حتى 30 سم، ونادراً ما تظهر فوق سطح التربة معرضة للهواء.
وتختلف في شكلها من مستديرة إلى بيضاوية إلى غير منتظمة الشكل ملساء أو ذات نتوءات خارجة على شكل ثآليل وتختلف في حجمها من حجم بيضة الدجاجة إلى حجم البرتقالة وهي ذات لب لحمي أسمر اللون ضمن غلاف خارجي على شكل قشرة تختلف في اللون من أسمر إلى أسود إلى أبيض.
تاريخ الكمأة
نبات الكمأة معروف من قبل الميلاد وقد درسها علماء قدامى من العرب والأجانب على مر العصور وكتبوا عنها الكثير وقد جاء في كتاب «عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات» للإمام العالم زكريا بن محمد بن محمود القزويني والمطبوع في القرن الرابع عشر الميلادي والكمأة نبات يتولد من تحت الأرض لا بذرة لها ولا عرق وأيضاً قوله جاء في الحديث عن الكمأة كالمن ومائها للعين شفاء وإنما شبهت بالمن لأنها تنبت في الأرض بلا تعب كما أن المن يقع من الهواء من غير تعب وينعقد على بعض الأشجار وهو عسر ويجف الصمغ وقد نزله الله تبارك وتعالى لقوم بني اسرائيل في البرية كغذاء لهم مع السلوى وهو نوع من الطيور.
الكمأة عند العرب
والعرب يقولون «إن الكمأة تبقى في الأرض فيمطر عليها مطر الصيف فتستحيل أفاعي ومن نوع يتولد في ظل شجرة الزيتون يسمى الفطر وهو سام قاتل». وقد قال ابن سيناء الكمأة يخاف منها الفالج والسكتة وماؤها يجلو العين كما هو مروي عن رسول الله.
وقد جاء في كتاب «البحر في غرائب البر» لمؤلفه سليم كساب عام 1982 م من باب العرب طعامهم وشرابهم يقول : ويصنع العرب طعاماً من الكمأة النباتية تحت الأرض فمتى فرخت وبدت جذيراتها فوق التراب في فصل الربيع ينبش أولاد البدو الأرض بأوتاد وتجمع كل عائلة شوالاً وتدخرها مؤنة لقوتها زماناً فتقتصر بها عن لحوم الماشية وهم يأكلونها مسلوقة أو مشوية أو يعجنونها مع اللبن والماء ويغمسونها بالسمن الذائب.
وقد تكلم عنها باستفاضة فيلسوف العرب وحكيم حكمائهمن سيناء في كتابه الفلاسفة والحكماء العرب في القرن الحادي عشر الميلادي.
وتنبت الكمأة في الإقليم السوري من جمهورية سوريا العربية في أطراف البادية ذات التربة الرمادية أو الطينية الخفيفة وتبدأ في الانبات من أواخر شهر اكتوبر ونوفمبر ويكمل نضجها في شهر آذار مارس ولا تكثر إلا إذا كانت أمطار الخريف كثيرة غزيرة حيث يسميها العرب البدو في تلك المناطق أمطار الصغرى ويقولون أنها تنبت بجوار نبات عشبي يسمونه، الحديد حيث يستدلون على وجودها من وجوده وفي موسم نضج الكمأة تتجول نساء البدو العرب الصغار بين خيامهم في أطراف البادية وأولادهم باحثين عنها بنبش التراب بأوتاد خشبية فيجمعون منها مقاديراً كثيرة فإما أن يحتفظوا بها لتكون غذائهم أو يذهبون للقرى والمدن المجاورة لبيعها، والفكرة الشائعة عند الناس منذ أكثر من ثلاثمائة عام قبل الميلاد أن الكمأة منشؤها الرعد حيث تنشق السماء وترمي بها إلى الأرض والذي جعلهم يعتقدون بهذه الفكرة هو مقارنتهم لظهور الكمأة بظهور المن الذي انزله الله تعالى على بني اسرائيل حينما تاهوا في صحراء التيه بأرض سيناء ليقتاتوا منه.
الكمأة كما يفسرها العلماء
وقد اعتقد العلماء على مر السنين بأن التخمرات في الأرض والافرازات الجذرية هي التي تنبتها وقد شوهدت في فرنسا أنواعاً عديدة من الذباب الأصفر في مناطق عديدة حيث شوهدت أسرابها تحوم عند الفجر والغروب الشمس وتحلق فوق البقع التي تستقر فيها الكمأة.
وقد أشار علماء إلى أن تلك الأسراب من الذباب أو غيرها من الحشرات تثقب الكمأة وعن غير قصد تحمل الجراثيم إلى أوراق الأشجار المجاورة حيث تسقط من هذه الأوراق وتعود الجراثيم ثانية إلى الأرض.
وأصبح من المؤكد أن الكمأة تنشأ من جراثيم ميكروسكوبية وعند توافر ظروف الانبات فإن الجرثومة تبدأ بتكوين خيط من الهيفا الذي ينقسم وينمو فيكون غلافاً منتفخاً على شكل كرة أو حبة أو درنه ويتفرع إلى جهة الداخل فتتميز الهيفات بشكل عروق ذات لون غامق تحاط بنسيج لحمي ذو لون أفتح من الهيفات وعندما تصل حبة الكمأة «إلى دور النضج تتكون أكياساً أسكية معطية جراثيماً عديدة فإذا ما انشقت حبة الكمأة عند نهاية النضج تنتشر هذه الجراثيم فتسقط على الأرض لتعيد سيرة حياتها من جديد».
وتتميز هذه الجراثيم بمقاومة الظروف البيئية القاسية من جفاف في الطقس وارتفاع في درجة الحرارة وانحباس المطر لعدة سنوات متتالية وسرعان ما تنبت بعد عودة الظروف الملائمة لانباتها ونموها وهي الرطوبة الكافية ودرجة الحرارة المعتدلة.
كيفية البحث عن الكمأة
وأطرف ما يقال عن الكمأة هو كيفية البحث عنها وجمعها في البلاد التي تهتم بانتاجها فبعض الحيوانات أصبحت قادرة على أن تكون أفضل من الإنسان في البحث عن الكمأة ففي فرنسا يدربون الكلاب والخنازير على ذلك ويقول الصيادون الفرنسيون أن الخنازير أحسن من الكلاب وتفضلها لهذا الغرض وأن شهوتها للكمأة شهوة جامحة لاتقاوم وكل ما يعمل لتدريبها هو تقديم حبة أو حبتين من الكمأة للخنزير لقضمها فينطلق باحثاً عن الكمأة في الأرض عن طريق الشم وإذا ما وجد شيئاً منها حفر بأنفه وألقاها خارج التربة حيث يلتقطها مرافقوه.
أما الكلاب فيقدم لها هريسه من فطيرة الكمأة وبكميات أكبر مع مضي الوقت فتتدرب على البحث عنها خلال شهر أو أكثر ومن ثم تصبح قادرة على جمع كمية كبيرة منها. ويدرب الصيادون في جزيرة سردينيا من عشاق الكمأة الايطاليين الماعز على البحث عنها وتحديد أماكنها.
ويرجع هذا البحث المحموم عن الكمأة المكنوزة في التربة إلى طعمها اللحمي اللذيذ ونكهتها العطرية الخاصة بها وإلى تعدد طرق طبخها بالإضافة إلى قيمتها الغذائية العالية لاحتوائها على كميات عالية من البروتين والمواد الدهنية والسكرية والمعدنية منها الصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم والكبريت والحديد كما تشتمل على كميات كبيرة من الفيتامينات ومادته «الريبوفلافين» كما أن الكمأة تؤكل بعدة طرق قد تشوى أو تحمر أو تنقع مع الحليب ثم توضع في الماء أو تسلق كالبطاطا وقد تخلط مع العجة أو السلطة.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 66