بيئتنا بيئتنا البوابة البيئية الرسمية لدولة الكويت

أجسام الحشرات

 


هندسة النباتات الوراثية


 


أجسام الحشرات ميدان معركة وراثية بين المخاطر والمنافع


 


 


 


د. وائل محمد


 


انطلقت أبحاث هندسة النباتات الوراثية بزخم في الثمانينيات مستخدمه الحمض النووي «دي  إن  إيه» من جرثومه تنقل حمضها الوراثي النووي بشكل طبيعي إلى النباتات وفي ذلك الحين بدا وكأن علم تعديل الحشرات وراثياً سيتقدم أيضاً، وأنتجت أول حشرة معدلة وراثياً في عام 1982، وكانت من نوع ذبابة الفاكهة التي طالما شغف بها علماء الوراثة.


وحملت تلك الذبابة بين مورثاتها اجزاء «دي  إن  إيه» تعمد العلماء اقحامها، وتتميز بإمكانية تحركها وتنقلها حول وبين الصبغيات ويعرف العلماء منذ زمن بعيد بوجود مثل هذه العناصر القابلة للتنقل في الجراثيم لكن هذا الجزء الذي عرف بـ «العنصر بي» كان أول عنصر وراثي من نوعه يكتشف في الحشرات.


لكن ذلك لم يكن المفتاح السحري في علم الهندسة الوراثية، فقد تبين أن «العنصر بي» موجود فقط في ذباب الفاكهة  وبدأ العلماء بحثاً محموماً عن بدائل  واستغرق البحث أكثر من عشر سنوات، وفي عام 1995 تم انتاج أول ذبابة فاكهة متوسطية من نوع «كرياتيس كابيتاتا» معدلة وراثياً باستخدام عنصر  وراثي قابل للتنقل يدعى «مينوس».


وفي عام 1988 تم التلاعب بمورثات ذبابة الحمى الصفراء «إيديس إيجيبتي» وحتى الآن اكتشف اربعة عناصر وراثية قابلة للتنقل تعمل في طيف متنوع من الحشرات، وربما يكون أكثرها اثارة «بيغي باك» والذي يوجد في فراشة الملفوف «ترشو بولسياني».


ونجح العلماء إلى الآن بإضافة مورثات جديدة إلى 16 نوعاً مختلفاً من الحشرات، ويبدو أن التقنية تتقدم بوتيرة متسارعة.


فإلى أين تتجه هذه التقنية؟ يتيح هذا الميدان فرصاً هائلة لفهم الوظائف الوراثية في اطوار نمو الحشرة  لكن الناحية الاشكالية الحقيقية هي التطبيقات التجارية والصحية لهذه التقنية  فالحشرات المعدلة وراثياً يمكن أن تستخدم للسيطرة على الأوبئة الزراعية أو لمنع انتشار الأمراض التي تحملها الحشرات إلى البشر.


وفي هذا السياق يقوم العلماء بإقحام مورثات مميتة في الحشرات الضارة ثم يطلقوها إلى الحياة البرية مطمئنين إلى أن كل صغارها ستموت بسبب المورثة القاتلة، مما يساهم في السيطرة على أعدادها.


يقول الدكتور لوك ألفي، من جامعة اكسفورد الذي يعمل على تطوير هذه التقنية أنه يتوقع أن تجري التجارب الميدانية واسعة النطاق على حشرات مثل يرقانات الفراش الوردي التي تلتهم القطن، خلال بضعة أعوام.


وهناك طرق أخرى لاستخدام الهندسة الوراثية للسيطرة على أعداد الحشرات الضارة مثل أن تمنح الكائنات البرية مناعة ضد المبيدات الحشرية بحيث تتحسن فرص نجاتها ونموها وتفترس المزيد من الحشرات الضارة.


وفي منتصف التسعينيات اطلق نوع من العث العنكبوتي المفترس يحمل مورثة تقوي مناعته ضد المبيدات أطلق إلى الحياة البرية في فلوريدا  لكن المورثة الجديدة لم تصمد طويلاً في أجيال العث في الحياة البرية، وعاد العلماء إلى المختبرات الآن بحثاً عن طرق لجعلها أكثر استقراراً.


ومن الحشرات الأخرى المرشحة للهندسة الوراثية، تلك التي يربيها الإنسان للاستفادة من غلالها مثل نحل العسل ودودة القز التي تعرف أيضاً بدودة الحرير في عام 2000 تم بنجاح تعديل دودة القز وراثياً والآن يخطط علماء فرنسيون لاستخدام مورثات مأخوذة من العناكب لزيادة مرونة وقوة الحرير المصنع.


ولا يزال نحل العسل يقاوم محاولات التعديل الوراثي، لأن النحلات العاملات يرفضن تربية يرقانات ولدت في ظروف مختبرية ويرى الكثيرون أن الاستخدام الأكثر إثارة للحشرات المعدلة وراثياً هو السيطرة على الأمراض والأوبئة.


وتركز الابحاث في هذا المجال على انواع البعوض التي تحمل طفيليات الملاريا والحمى الصفراء وتنقلها إلى الإنسان عندما تلدغه لامتصاص دمه.


وتعمل الآن ثلاث مجموعات من العلماء على تطوير بعوضة لا تحمل طفيلي الملاريا، ويأمل هؤلاء بالبدء في اطلاق أول دفعة من البعوض المعدل وراثياً خلال خمسة اعوام من الآن.  


لكن تفاؤل خبراء الهندسة الوراثية فيما يتعلق بتفاصيل تقدمهم العلمي يقترن بحذر شديد من ردة الفعل الشعبية المتوقعة، لا سيما وسط اجواء مشحونة اصلاً ضد الأغذية المعدلة وراثياً التي بدأت تغزو الاسواق ولا تزال تقابل برفض واستهجان في الاسواق الأوروبية.


ومن ابرز المخاطر التي يتم الحديث عنها في هذا السياق انتشار المورثات المزروعة افقيا في الحشرات المعدلة وراثياً أي اصناف اخرى من الكائنات الحية.


ومن المؤكد أن العناصر الوراثية القابلة للتنقل التي تستخدم في الحشرات قادرة على الانتقال من صنف إلى آخر، وهو ما يثير المخاوف من احتمال التدخل في الصفات الوراثية لكائنات أخرى برغم كل تطمينات العلماء من أن ذلك الاحتمال بعيد جداً عن الواقع.


وهناك مخاوف أخرى من احتمال ظهور خصائص غير متوقعة في الحشرات المعدلة وراثياً  فمثلاً، ماذا سنفعل لو تبين أن البعوضة المعدلة وراثياً لعدم نقل الملاريا تتمتع عن طريق الصدفة بكفاءة عالية في نقل طفيلي آخر مختلف كليا؟


يرى كريس كورنيس، من كلية لندن للصحة العامة والطب الاستوائي والذي عمل طيلة 30 عاماً في ابحاث السيطرة على الملاريا أنه يجب توخي الحذر وعدم التهور في الاسراع باطلاق بعوض معدل وراثياً إلى الطبيعة.


ويقول  «تصور لو التقطت هذه البعوضة فيروس الايدز ماذا سيحدث؟ إن خبراء الايدز يؤكدون أن ذلك مستحيل تقريباً  لأن فيروس نقص المناعة لا ينتقل بالحشرات  لكن علينا أن نتأكد من ذلك ومن اشياء كثيرة أخرى قبل أن نجازف باطلاق هذه الكائنات إلى الحياة البرية.


وفي المقابل فإن علماء الوراثة يتحدثون عن موازنة المخاطر بالمنافع  إذا كانت المنافع ضخمة مثل انقاذ حياة ملايين الاطفال الافارقة عندها يمكن القبول ببعض المخاطر  فنحن مثلاً نعرف أن بعض الادوية واللقاحات والمبيدات الحشرية لها تأثيرات جانبية شديدة، ومع ذلك نستخدمها.


لكن ما هو مستوى المخاطر الذي يمكن القبول به. ومن يستطيع اتخاذ القرار بشأن ذلك؟ وفي النهاية ربما يجب اعطاء القرار للناس من العامة لا العلماء صانعي السياسة؟


 


 


 


المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 66