المعادن النفيسة الذهب والفضة والآثار البيئية لورش صياغة الذهب
م. خلود المرزوق
شغف الأقدمون بالأحجار الصلبة، وكانوا يبحثون عنها في كل مكان، وفي أثناء بحثهم عثروا في قاع المجاري المائية، وسط الرمال والأحجار الصغيرة على قطع صغيرة من أحجار صلبة صفراء تفوق الأحجار التي تعودوها اليابسة في صلابتها وفي كثير من الخواص الأخرى.
حقيقة لم تكن تلك الأحجار كبيرة الحجم، غير أن منظرها كان جميلاً براقاً خلاباً وكانت ثقيلة الوزن. وإذا طرقت قطعة منها بين حجرين عاديين لم تتحطم ولم تتكسر بل كان سمكها يقل وسطحها يتسح وشكلها يتغير كما كان بالإمكان طرق حجرين صغيرين، من تلك الأحجار الصفراء الثقيلة وتحويلهما إلى حجر واحد.
أعجب الأقدمون بتلك الأحجار الصفراء اللامعة، وبالرغم من أنها لم تكن ذات نفع لهم، إلا أنها كانت بديعة جميلة فصنع منها الرجال حُلي لنسائهم يضعنها في شعورهن وعلى صدورهن. لم تكن هذه أحجاراً بل قطع من الذهب وعلى هذا فإن الذهب أول معدن اكتشفه الإنسان.
لقد وجد حلي ذهبية مدفونة مع جثث أناس ماتوا منذ سبعة آلاف سنة ومازالت لامعة جميلة، يحتفظ الذهب برونقه وطلاوته إلى ما شاء الله فلا يتأثر بالرطوبة ولا بالنار ولا يوجد إلا القليل جداً من المواد التي تستطيع التفاعل معه وتغيره، لهذه الأسباب كان الذهب عظيم القيمة مرتفع الثمن وبعد الذهب اكتشف الناس معادن أخرى كالنحاس وهو أحمر اللون والفضة ذات البياض الناصع والحديد الذي يقرب لونه من السواد.
حقيقة أن الفضة تحاكي الذهب جمالاً وهي ناعمة ولامعة بعض الشيء، ولينة لا ينتفع بها في قطع الأشياء. إنها في جمال الذهب تقريباً وتصاغ منها الحلي الجميلة الرائعة، بيد أنها أكثر شيوعاً ولا تحتفظ برونقها وسلامتها كالذهب، ولذلك ليست قيمتها عالية كقيمة الذهب.
وهكذا أطلق على كل من الذهب والفضة اسم "المعادن النفيسة" Precious Metals، بينما تسعى المعادن الأخرى، كالحديد والنحاس والقصدير التي هي أكثر وجوداً في الكون وأعظم نفعاً، بالمعادن الدنيا Base Metals، وقد وجد أن المعادن الدنيا سرعان ما تعلوها الأوساخ وتصدأ وتؤثر فيها الرطوبة والحرارة بسرعة.
توجد الفضة أحياناً طبيعية (أي غير متحدة مع عناصر أخرى)، إلا أنها أكثر وجوداً على شكل كبريتيد الفضة Silver Sulplid، أو كبريتيد الرصاص Lead Sulphide في خام الجالينا Galern، ومنذ 2500 ق. م كانت الجالينا تستخرج من مناجمها ثم تصهر.
والفضة أكثر صلابة من الذهب ويمكن ثنيها ولها قابلية للسحب ويمكن تحويلها إلى سلك رفيع كما يمكن طرقها وتحويلها إلى صفائح كالذهب.
صياغة الذهب والفضة في الكويت
يوجد في دولة الكويت العديد من الورش المختصة لصياغة المعادن النفسية والمطلية بالألوان الجذابة، حيث نجد القطع الكبيرة الحجم والتي تستخدمها النساء للحفلات والأعراس والقطع الصغيرة للاستخدامات اليومية كما للأفال نصيب من تلك المصوغات المتنوعة وتمر عملية تصنيع تلك المصوغات على مراحل تتم على أيدي عاملين مهرة من جنسيات مختلفة، وقد كان العامل قديماً يسمى صائغاً نسبة إلى حرفة الصياغة ويمكن تلخيص خطوات التصنيع والصياغة كالتالي:
خطوات تصنيع المصوغات الذهبية
بداية يتم شراء المواد الأولية من الأسواق المحلية، وهي عبارة عن الذهب عيار 999 والفضة والأحجار الكريمة، بالإضافة إلى شراء بعض المصوغات المستعملة لإعادة صياغتها وتمر عملية تصنيع المصوغات الذهبية بالمراحل التالية:
أولا: مرحلة تشكيل عبارات الذهب
يتم تصنيع سبائك الذهب أو الفضة حسب العيارات المطلوبة (22,21 . 18) وذلك بخلطها بنسب معينة من النحاس كالتالي:-
1- تقاس كمية الذهب والنحاس بنسبة 141 جرام نحاس لكل 1 كيلو جرام ذهب أو بنسبة (3: 21).
2- توضع الكميات المحددة من الذهب والنحاس بالنسب المطلوبة في إناء بورسلان أو فخار ويتم صهرها في فرن الصهر الحراري الذي يعمل تحت درجة 950 درجة مئوية أو تسليط اللهب على الأواني الفخارية لفترة من الزمن إلى أن ينصهر خليط الذهب والنحاس.
3- يصب الذهب المصهور في قوالب خاصة من مادة الحديد الزهر لتعطي الأشكال والأحجام والموديلات المطلوبة.
ثانياً: مرحلة تشكيل المصوغات الذهبية باستخدام القوالب
تحتاج بعض المصوغات الذهبية خاصة الكبيرة إلى تصنيع قوالب، خاصة لها تحتاج إلى مهارة ودقة في العمل كما يتميز الصاغة في الإبداع في التصنيع في هذه المرحلة بتشكيل القوالب بطرق فنية جميلة ترغب المستهلكين في شراء تلك المصوغات وتمر عملية التشكيل في المراحل التالية:
1- يتم عمل نماذج للموديلات المطلوبة من مادة الشمع المصهور على أيدي عمال متخصصين في عمل النماذج الفنية للمصوغات.
2- توضع النماذج الشمعية في قوالب من الجبس الأبيض الطري.
3- ينقل قالب الجبس إلى جهاز تنشيف يعمل عند درجات حرارة معينة لفترة زمنية إلى أن يجف القالب.
4- يوضع القالب بعد أن يجف في جهاز آخر لإذابة الشمع حيث تصل درجة الحرارة داخل الجهاز إلى درجة ذوبان الشمع وبعد فترة يتم تفريغ الشمع من القالب تاركاً مكانة فراغاً في داخل قالب الجبس.
5- يوصل قالب الجبس بجهاز لسحب الهواء في الفراغ الناتج عن تفريغ الشمع ويصب الذهب المصهور في هذا القالب حتى تمتلئ الفراغات الموجودة في الجبس لتأخذ شكل نموذج قالب الشمع الذي تم إعداده سابقًا.
6- يفصل الجبس عن الذهب باستخدام جهاز فصل الجبس وتستخرج المصوغات الذهبية منه.
ثالثاً: طرق تشكيل المصوغات الذهبية المختلفة
بعض المصوغات الذهبية لا تحتاج إلى قوالب لتصنيعها مثل الأساور والسلاسل والخواتم مما يتطلب الأمر استخدام بعض الأجهزة لتلك الأغراض مثل التالي:
1- ماكينة الكبس.
2- جهاز سحب السلاسل.
3- ماكينة الأساور.
4- ماكينة دريل تثقيب الذهب.
ثم تؤخذ المصوغات إلى طاولات اللحيم لإنهاء عملية التشكيل باستخدام جهاز اللحيم اليدوي والذي يسمى مسدس ناري يعمل بالغاز الطبيعي.
رابعاً: مرحلة تلميع المصوغات الذهبية
ينتج عن عمليات لحيم المصوغات الذهبية مادة سوداء مما يستدعي الأمر ضرورة تلميعها، وتتم تلك العملية بطريقتين وهما كالتالي:-
1- يتم استخدام جهاز كور الرصاص (ماكينة بويث) وهو جهاز توضع به القطع الذهبية ويهتز الجهاز حتى يتم تلميع القطع الذهبية أو يتم وضع المصوغات في وعاء كبير يحتوي على كرات صغير من الحديد الصلب ويتم تحريكها يدوياً.
2- تغسل المصوغات الذهبية بالماء المضاء إليه مواد كيماوية (حمض الكبريتيك أو حمض النيتريك) بنسبة 10% من كمية المياه ويستخدم لذلك جهاز كهربائي يعمل بدرجة حرارة معينة لفترة دقيقة واحدة فقط أو يتم غسلها يدوياً، وذلك بوضع المصوغات في وعاء كبير تحتوي على الماء المضاف إلى المواد الكيميائية.
3- تغسل المصوغات بالماء والصابون حتى تفقد كل أثر من الأحماض.
خامساً: مرحلة تهذيب المصوغات الذهبية
تحتاج بعض المصوغات إلى إضافة بعض اللمسات الفنية عليها، وذلك بوضعها في ماكينة النقش (الراديوم) لعمل نقشات ورسومات عليها أو تكوينها باستخدام ماكينة تلوين الذهب (لمعة- مطفي)، كما يتم في النهاية تركيب الأحجار الكريمة الملونة لتعطي المنتج الشكل النهائي.
أخيراً يتم تسليم القطع المشغولة إلى وزارة التجارة والصناعة لعمل تحليل العيار، حيث يقوم القسم المختص بوسم الدمغة اللازمة على القطع الذهبية حسب العيار ومن ثم عرض المصوغات الذهبية في محلات بيع الذهب.
الآثار البيئية لورش صياغة الذهب
يصدر عن ورش تصنيع المصوغات بعض المشكلات الناتجة عن عمليات التصنيع، وقد ورد إلى الهيئة العامة للبيئة عدة شكاوى من بعض الحملات التجارية المجاورة لبعض محلات صياغة الذهب في بعض العمارات الاستثمارية وفي بعض الأسواق حيث يصدر عن بعض محلات وورش تصنع المصوغات الذهبية بعض المشكلات الناتجة عن عمليات التصنيع خاصة في بعض العمارات الاستثمارية، وفي بعض المحلات الواقعة في الأسواق التجارية، وقد ورد إلى الهيئة العامة للبيئة عدة شكاوى من أصحاب محلات تجارية مجاورة لمحلات الذهب يقومون بإجراء عمليات صناعية داخل محلات بيع الذهب أو خارج المحلات في الممرات، مما يعرض العامة لمخاطر الأبخرة والغازات المتصاعدة من العمليات الصناعية.
قامت الإدارة المعنية في الهيئة العامة للبيئة (إدارة البيئة الصناعية إدارة التخطيط والمردود البيئي) بدراسة الوضع البيئي لورش الذهب ومعاينة مواقع ومحلات مصدر الشكوى فتبين التالي:
1- بعض المحلات تكون الرخصة تجارية، وتعمل على تصنيع وصياغة الذهب علماً بأن الترخيص التجاري الممنوح لها لا يعطيها الصلاحية بإجراء أي عمليات صناعية.
2- تقوم بعض محلات بيع الذهب بتصنيع المصوغات الذهبية داخل المحلات أو في السرداب دون وضع أنظمة للتهوية معرضين لسحب الأبخرة والغازات مما يعرض العاملين وبيئة العمل إلى التلوث.
3- يتم إجراء بعض العمليات التصنيعية مثل عملية تلميع المصوغات الذهبية باستخدام المياه المضاف إليها الأحماض الكيميائية خارج المحلات مما يعمل ذلك على تلوث الجو الخارجي بالغازات والأدخنة وشعور المواطنين العاملين في المحلات التجارية المجاورة أو المارة بحرقان في البلعوم والصدر والتهاب في العين.
4- يتم سكب نواتج تلميع المصوغات الذهبية على أرضيات وممرات خارج محلات صياغة الذهب أو في المجاري العامة مما يعرض المرافق العامة من أرصفة وشبكة المجاري وغيرها إلى التلف والتآكل بسبب المواد الكيميائية المستخدمة في التلميع.
5- عدم وجود أي احتياطات أمنية في الورش في حالة حدوث حريق أو في حالات الطوارئ.
6- تقع بعض الورش بالقرب من مطاعم، مما يؤدي إلى احتمالية تلوث الأطعمة بالملوثات الغازية المتصاعدة من عمليات التصنيع.
7- تقوم بعض الورش باستغلال أسطح المباني مساء في إتمام عملها.
دور الهيئة العامة للبيئة في إيجاد الحلول لمشاكل ورش صياغة الذهب
لذا فقد قامت الإدارات المعنية في الهيئة العامة للبيئة (إدارة التخطيط والمردود البيئي- إدارة البيئة الصناعية) في عام 1996 بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة لإيجاد آلية لمنع التراخيص ومتابعة ومراقبة الممارسات الخاطئة من بعض محلات بيع الذهب، ومن بعض ورش صياغة الذهب ووضع الضوابط والاشتراطات البيئية وتبين التالي:
دور وزارة التجارة
تقوم وزارة التجارة بمنع التراخيص التجارية لفتح محلات بيع المصوغات الذهبية، حيث تختص إدارة التراخيص التجارية بمنح المواطنين تراخيص لتصليح الحلي الذهبية منذ عام 1960، ويستغل المستثمرون تلك التراخيص في القيام بتصنيع المصوغات الذهبية دون مراعاة ملاءمة المحلات لممارسة تلك الأنشطة.
دور الهيئة العامة للصناعة
تختص الهيئة العامة لصناعة بمنح التراخيص الصناعية لجميع المنشآت الصناعية والتي من ضمنها ورش صياغة الذهب، حيث تحتاج تلك الورش إلى المتابعة للتحقق من إجراء العمليات التصنيعية بالطرق السليمة وعدم إجراء الممارسات الخاطئة التي تعود بالضرر على البيئة، وعلى صحة العاملين وعلى منشآت الدولة.
دور بلدية الكويت
أما بلدية الكويت فتقوم بتخصيص مناطق لتوطين الصناعات المختلفة ضمن المخطط الهيكلي للدولة الكويت، وحيث إن ورش تصنيع الذهب تعتبر حرفاً صناعية مما يتطلب الوضع في الاعتبار تخصيص مواقع لممارسة نشاط تصنيع وصياغة المصوغات الذهبية وبعد تنسيق كل من الجهات المعنية في الدولة لمعالجة المشاكل الصادرة عن ورش صياغة الذهب تم وضع ضوابط واشتراطات بيئية للتحكم في الآثار والمخلفات الناتجة عن تلك المشاريع والتي يمكن إيجازها بالتالي:
بعض الاشتراطات والضوابط البيئية للحد من الآثار السلبية الناتجة عن مشاريع الورش الذهبية وهي كالتالي:
1- الصيانة الدورية لشفا التهوية والموجود أعلى الفرن وتبديل فلا ترها باستمرار لضمان كفاءتها.
2- الصيانة الدورية للمكائن المستخدمة في عمليات الإنتاج لضمان كفاءتها ولكي لا تتعدى شدة الضوضاء عن الحد المسموح به وهو 85 ديسيبل لمدة تعرض 8 ساعات عمل يومياً.
3- التأكد من إغلاق صمام الأمان لاسطوانات الغاز الطبيعي المستخدمة في عمليات اللحام، وذلك بعد الانتهاء من العمل مباشرة.
4- التشديد على العمال بضرورة استخدام وسائل الوقاية الشخصية أثناء عمليات اللحام مثل (الكمامات الواقية- النظارات الواقية- الكفوف لعمال صهر المشغولات الذهبية).
5- عدم ترك عبوات الأحماض مفتوحة والتخلص من العبوات الفارغة بالطريقة السليمة.
6- وضع ملصقات تحذيرية واضحة على العبوات توضح خطورة المادة وطريقة تداولها.
7- وضع صندوق للإسعافات الأولية محتوية على الضمادات والأدوية الخاصة بغسل العيون والجروح والحروق.
8- إجراء الفحص الدوري الابتدائي على جميع العمال وخاصة فحص الصدر للتأكد من سلامتهم.
9- عدم التخلص من مخلفات الأحماض (حمض الكبريتيك- حمض النيتريك) في الشارع العام أو في الممرات بين المباني السكنية وضرورة التخلص منها عن طريق معادلة الأس الهيدروجيني لها قبل تصريفها إلى شبكة الصرف الصحي.
10- المحافظة على نظافة المحل والتخلص من المخلفات الصلبة أولاً بأول.
المصدر : مجلة بيئتنا - الهيئة العامة للبيئة - العدد 59